لم يكن ينقصنا إلّا تقرير منظمة غرينبيس حول المدن الأكثر تلوثاً في العالم، والذي احتلّت فيه مدينة جونيه الساحلية المرتبة 23 عالمياً من حيث المدن الأكثر تلوثاً... لنكتشف المزيد عن حقيقتنا المرة... فالتقرير لا يعكس فقط مدى سوء إدارة الملف البيئي في بلدٍ كنّا نتغنّى فيه بهوائنا النقي ومائنا العذبة وشواطئنا الذهبية وجبالنا الخضراء... وإنما يؤكد على أننا وطن بحاكمه وشعبه ومجتمعه على طريق الانقراض والاضمحلال، بل الزوال.
فهذا التقرير الخطير لم يحرّك فينا لا ثورة ولا اعتراضاً ولا من يحزنون... إكتفينا بالتفرّج على اجتماع فلكلوري لنواب المنطقة، إنضمّ اليهم الوزير المستشار مُبرراً أعماله ومُلقياً أسباب التلوث على غيره. إجتماع لم يخرج بأي توصية عملية لا بل تجرّأ فيه أحد النواب الجدد على اتهام الشعب بأنه مُسبّب التلوث كونه لا يملك ثقافة بيئية. وبالحري كان عليه أن يقول إننا شعب لا يحسن الاختيار، كون البعض منّا اختاره نائباً ومُشرّعاً ومحامياً عن حقوقه وممثلاً عن الأمة جمعاء... لينطفئ الموضوع بعد الاجتماع وكأنه فص ملح ذابَ في مياه مشاكلنا اليومية... وكأنه تقرير لدينا ترف الاختلاف حوله سياسياً أو إنمائياً...
أفهم انّ الساسَة، ومن جميع فئاتهم، لديهم مصالحهم الخاصة، وهم أصلاً لا يقيمون وزناً لنا ولصحتنا، وبالتالي لم ولن يحرّكوا ساكناً.
ولكن مهلاً أيها السادة... أين ما يسمّى بالمجتمع المدني؟ لماذا غاب عن الساحة؟! أين الجامعات التي تملأ المنطقة وهي من الجامعات المهمة؟! لماذا لم تُنشِئ لجنة طوارئ لإيجاد الحلول البيئية لتلوّث يصيب طلابها وأساتذتها؟ وما هو الهدف الاول للجامعات في لبنان غير تخريج عاطلين عن العمل؟ أين مراكز الابحاث والأندية والجمعيات؟؟؟ أين الاحزاب والهيئات؟؟؟... أين الكنيسة وبكركي التي تَغفو على تخوم جونيه ولماذا عدم الاعتراض او الضغط من اجل حَلّ قضية تقتلنا جميعاً؟
بالله عليكم هل كانت ردّة فعلكم ستظهَر بهذه البرودة لو انتقد أحدهم حدثاً دينياً او عاتَبَ زعيماً او هاجمَ الصهر او الابن او الزوجة او الشيخ او أي وريث سياسي؟؟؟ عَرّتنا غرينبيس من حيت لا تريد، وفضحنا تلوّث مدينة نحبّها ونعشقها لأنها كانت وفية معنا ولم نبادلها يوماً الوفاء... مدينة يفتخر أحدهم بأنه يقيم فيها سنويّاً مهرجاناً للمفرقعات النارية، هو الأكبر في لبنان... مفرقعات تكلّفنا مئات آلاف الدولارات لتزيد من التلوث والضوضاء، في بلد عجزنا فيه عن إيجاد حل لمشكلة معالجة النفايات التي أصبحت مزمنة ومستعصية، على الرغم من وجود وزارة للبيئة لم تعمل منذ تأسيسها إلّا على مضاعفة التلوث... تلوث يقتل الغني في منزله الفخم... والاعلامي الذي ينقل إلينا أخبار العالم مُتناسياً ما حوله... والقاضي والمحامي في قصر عدل من المفترض أن يكون المتراس الاول في الدفاع عن حقنا بحياة كريمة... ورجل الدين في صومعته وديره حيث الصلاة لا تستطيع وحدها طَرد مرض يحتاج الى صلاة وصوم وعمل....
فضحَتنا جونيه، هي التي سَتَرت عيوبنا ونواقصنا وصرخت بوجهنا جميعاً: إرحلوا عنّي فأنتم شعب محكوم بمجموعة من الانتهازيين وعاشقي الكلام الجميل والاعمال القبيحة... إرحلوا عنّي فلو كتب الكتاب المقدس اليوم لقيل فيه: «هيّا معي من لبنان، من ذلك البلد الملوّث والملوِّث».